العلة في عدم الاعتماد في الحقائق الشرعية على معناها اللغوي
لا تؤخذ الحقائق الشرعية إلا من كلام الوحي، ولا نحتاج في بيان الحقائق الشرعية لا إلى أهل اللغة ولا إلى غيرهم من المتكلمين، فهم أبعد في معرفة مدلول كلام الشرع لسببين:الأول: أن بعض الكلام الذي يأتي به الشارع لا يكون موجوداً في لغة العرب، فالمفهوم نفسه لا يوجد له مثل في اللغة كالجهاد، فالجهاد كلمة شرعية، ومعناها الشرعي ليس له وجود عند العرب في الجاهلية، وكذا الزكاة، ولكن قد يقال: إنها نقلت من المعنى اللغوي، لكنها في لغة العرب تعني: الطهارة والنماء، ولا علاقة بين الطهارة والنماء وبين أن يخرج الرجل قسماً من المال مخصوص بنية مخصوصة في وقت مخصوص لفئة مخصوصة، وكذلك لفظ التيمم في اللغة هو مجرد القصد، لكن الشارع نقله إلى معنى آخر، فهذا يمكن أن يكون جديداً، وكذلك لفظ النفاق والغيبة، فهذه كلمات لما تكن معروفة عند العرب بهذا المعنى، وإن قيل: هي ألفاظ عربية من لغة العرب، فإن الشارع قد جاء لها بمعنى جديد لم تعرفه العرب من قبل.وكذلك فإن هناك معانٍ مشتركة، مثل الصلاة، فإنها أقرب ما تكون في المعنى إلى الدعاء؛ لأن الصلاة في لغة العرب هي الدعاء، والدعاء معروف عند العرب، فقد كانوا يدعون عند الكعبة وغيرها، فالصلاة هي الدعاء، فهذا اللفظ منقول إلى معنى شرعي آخر.وهناك ألفاظ جاهلية أماتها الإسلام بالكلية، فلا وجود لها الآن في لغة العرب والمسلمين، وهي لا تذكر إلا كتاريخ مثل: ما أبطله الإسلام من العبادات الجاهلية، فهذا لا وجود له معنىً، بل قد نسي المعنى عند أهل اللغة، ومثل ذلك ما كان يجعله العرب في الغنائم من المرباع والصفايا وغير ذلك من أمور الجاهلية، وكذلك الاستقسام وإن كان -والله المستعان- يفعله بعض المسلمين، لكنه لم ينس بالكلية مثل المرباع، وهو أن رأس القبيلة يأخذ الربع من الغنيمة، فهذا المعنى قد نسي حقيقة ولفظاً.والخلاصة: أن الشارع إما أن يأتي بمعنى جديد لكلمة لفظها في لغة العرب، فيأتي لها بمعنى جديد لم يعهده العرب من قبل، أو ينقله إلى معنى آخر مع وجود الصلة بين المعنيين، فالإيمان إن قلنا: إنه لفظ جديد كالجهاد والنفاق لم يرجع في معرفة معناه إلى أصل اللغة فهذا جواب، والجواب الآخر أن نقول: إن الإيمان له علاقة بالإيمان اللغوي وهو التصديق، ولكن التصديق نفسه في عرف الشارع يختلف عما يعنيه هؤلاء، بل حتى في لغة العرب يختلف معناه عما يظنه المرجئة ؛ لأن التصديق في عرف الشارع وفي كلام العرب يطلق على القول والعمل، والمهم هنا بيان أن التصديق قد يطلق على العمل قال صلى الله عليه وسلم: ( والفرج يصدق ذلك أو يكذبه )، وقال تعالى: (( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ))[الصافات:105].فإذاً: التصديق يطلق على العمل، ففي كلا الحالتين نستطيع أن نرد على هؤلاء المرجئة ونبين مخالفتهم للغة والشرع في بيان معنى الإيمان. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.